العرب والفرس: جدلية التقدير والكراهية / أمير طاهري


الشرق الأوسط / في الأسابيع القليلة الماضية، انتشر في المدونات الإيرانية نقاش حاد حول رسالتين قديمتين ولكن مصداقيتهما محل شك. الأولى مفروض أنها رسالة كتبها عمر بن الخطاب الخليفة الثاني للإسلام إلى يزدجرد الثالث، إمبراطور إيران، في القرن السابع الميلادي. وفيه يدعو الخليفة الإمبراطور إلي التخلي عن الزرادشتية واعتناق الإسلام لكي يتجنب الحرب في هذا العالم وجهنم في الحياة الأخرى.
والرسالة الثانية يفترض أنها رد يزدجرد، وهي ملخص محدود لجوهر قيم الإيرانيين قبل الإسلام.
وعلى الرغم من أن الرسالتين متوفرتان للعلماء منذ قرون عديدة فلم يتم التأكد من مصداقيتهما على الإطلاق.
ويعتقد بعض العلماء أن الرسالتين زورتا بعد فترة طويلة من دخول مؤلفيهما التاريخ. وواحدة من النظريات هي أن الرسالتين كتبتا في القرن العاشر الميلادي بعد وصول إيران إلى نقطة تحول، بعدما أصبحت دولة ذات أغلبية إسلامية.
والأمر اللافت للانتباه هو أن الرسالتين تعبران عن نفس القيم. والرسالتان تؤكدان أن الديانات التوحيدية هي الحقيقة الوحيدة المقبولة، وتؤكد على بعض القيم مثل العدالة والمساواة والاعتماد على الذات.
ويشعر القارئ بانطباع أن ما هو مطروح ليس قضية دينية بل هوية قومية. فيزدجرد يقول انه إذا كان اختبار الإيمان هو التوحيد والحياة الأخلاقية فإن الفرس قد دخلوه عقب ظهوره في التاريخ.
وتعكس الرسالتان بعض القلق التقليدي بالنسبة لمعظم الإيرانيين وانفصام الشخصية الذي تعاني منه إيران منذ دخلت الإسلام.
تعتز إيران بهويتها الإسلامية إلى حد الغرور أحيانا. ويؤمن الفرد الإيراني العادي بأن بلده يسهم في دعم الإسلام أكثر من أي دولة أخرى. ويذكر بعض الكتّاب الإيرانيون النحوي سيبويه والمعجمي روزبه كمثالين على الزعم القائل إن الفرس لعبوا دورا مهما في صياغة اللغة العربية. ومن النادر أن ينسى الإيرانيون حقيقة الأصل الفارسي لشعراء عرب كبار مثل أبو نواس ومهيار الديلمي والجواهري.
وبعد أن بدأ الإيرانيون باعتناق الإسلام برز عدد من الحكايات لتبرير هذا التحول.
واحداها تقول إن الحسين بن علي حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج بيبي شهربانو الابنة الصغرى للإمبراطور يزدجرد وهذه كانت بداية الاختلاط بين الفرس والعرب الذي استمر مع الأئمة الشيعة اللاحقين. وهذا ما ساعد على تخفيف المشاعر المعادية للعرب بين الفرس.
وهناك جانب آخر في إيران يتمثل في الخوف من أن ينظر للشخص هناك بأنه عربي أو حتى معرب. إنه الخوف الناجم من المشاعر المعادية للعرب في الأدب الفارسي.
لكن هل الإيرانيون بشكل عام غير معادين للعرب؟
هذا السؤال كان موضع دراسة عدد كبير من الأكاديميين الأجانب والإيرانيين خلال حلقة دراسية نظمت في طهران في فبراير (شباط) الماضي. وعلى الرغم من أن معظم المشاركين أجابوا بالنفي فإن الحلقة الدراسية لم تحقق نتيجة قاطعة.
هناك صور مختلفة للعربي في الأدب الفارسي. إحداها هي أنه سلاب وجشع. والكلمة المستخدمة في الفارسية للعربي هي (تازي)، والتي تعني الغازي. وأكثر الصور السيئة في الأدب الفارسي هي (زاهاك) والتي تعني الحاكم القاسي الذي يصبح أداة للشيطان الذي ولد كعربي في القدس ثم دعاه ارستقراطيون فرس كي يصبح ملكا وأن ينهي الصراع بين السلالات الملكية الفارسية المتنازعة. لكن قسوة هذا الملك واجهتها ثورة قادها الحداد كاوة وتم سجن زاهناك عند قمة جبل دماوند في طهران.
وسيتأثر أي دارس لشاهنامة (كتاب الملوك) فردوسي بوصف آثام الضحاك.
والصورة الأخرى للعرب في الأدب الفارسي معاكسة. فهنا تشير كلمة العربي إلى الحكمة والتقوى والكرم والشجاعة. ويعتبر سعدي، وهو احد أعظم شعراء إيران، مثالا على العربفوبيا. وفي عمله الموسوم جلستان (حديقة الورود) غالبا ما يختتم بحجة تشير: كما يقول العرب.
والكثير من أبطاله مثل لقمان وشبلي وحاتم الطائي وذي النون المصري الذين يصورهم نماذج للإنسانية، هم من العرب.
وبغض النظر عن فردوسي وعدد قليل من الشعراء الصغار مثل سوزني من سمرقند وأثير الدين أخسيكتي، ممن عبروا عن مشاعر مناوئة للعرب، فان معظم الشعراء الكلاسيكيين الفرس كانت لديهم نظرة ايجابية إلى العرب. وحتى الأشعار المناوئة للعرب المنسوبة إلى فردوسي، كما أشار أحد المتحدثين في ندوة طهران، أضيفت إلى الشاهنامة من جانب آخرين.
وقد ألف شعراء عظام مثل نظامي وجامي قصائد سردية طويلة أبطالها من العرب. وأصبحت قيس وليلى ووامق وعذرا شخصيات مثالية بالنسبة لمعظم الإيرانيين.
وجادل أحد المتحدثين في ندوة طهران بأن الخوف من الأجانب دلالة على الارتياب في الذات. وهكذا فانه كلما كان الإيرانيون يشعرون بالثقة في هويتهم فإنهم لا يظهرون أية مشاعر مناوئة للعرب. وفقط عندما كانوا يشعرون بأن نزعتهم الفارسية تواجه تهديدا يبحثون عن «آخر» لكرهه. وحتى في هذه الحالة فان «الآخر» الذي كان الفرس يجدونه نادرا ما كان من العرب.
وكان الموضوع الغالب للكراهية هم الأتراك الذين يتماثلون مع الحرب والقسوة والمذابح والسلب في الأدب وكذلك في الفولكلور الفارسي.
وحكم العرب أجزاء من إيران لفترة تقرب 80 سنة، قبل أن يظهر أمراء محليون فرس في سجستان وخراسان. غير أن سلالات تركية مختلفة حكمت إيران لفترة زادت على ألف سنة. (وانتهت آخر سلالة تركية عام 1925)
ومع ذلك، ظل الترويج للمشاعر المعادية للعرب باستمرار أكثر سهولة من التشجيع على كراهية الاتراك، والسبب هو أن ربعا على الأقل من سكان إيران يتحدثون واحدة أو عدة لهجات تركية. وفي غالبية الحالات فقد هؤلاء الفرس لغتهم الأصلية وتبنوا لهجة تركية. لكنهم رغم ذلك يرتبطون في هويتهم بلغتهم وليس بأصلهم العرقي.
أدى هذا الواضع بدوره إلى صعوبة بالنسبة للإيرانيين في التعبير عن المشاعر المعادية للأتراك.
وكما أوضح سمنار طهران فقد جاء جزء كبير من المشاعر المعادية للعرب في إيران اليوم في القرن الماضي تقريبا بسبب ظهور القومية على غرار النمط الأوروبي الذي يؤكد أهمية مفاهيم الدم والأرض.
صدرت تركيا تحت حكم اتاتورك المشاعر المعادية للعرب إلى إيران عندما كانت تحت حكم رضا شاه بهلوي. ومثلما أمر اتاتورك بـ«تنقية» اللغة التركية من أكثر عدد ممكن من الكلمات العربية أنشأ رضا شاه أكاديمية لتطهير المفردات الفارسية من عناصرها العربية. وعلى مدى فترة عشر سنوات حلت مفردات تركية محل حوالي 5000 كلمة عربية استعير معظمها من نصوص مجهولة أو أوجدها أكاديميون.
وأصبح أحمد كسروي، وهو واحد من أعظم المفكرين في القرن العشرين، من مؤيدي التخلص من الأثر العربي إلى جانب كتاب بارزين آخرين مثل صادق هدايت وإبراهيم بورداود ومسعود فرزاد. وأصبح كتاب لعبد الحسين زرين كوب بعنوان «قرنان من الصمت» على أثر الهيمنة العربية من أكثر الكتب مبيعا خلال عقد الستينات من القرن الماضي.
في المقابل، لم تؤد الحرب العراقية ـ الإيرانية على مدى ثماني سنوات، ابتداء من مطلع عقد الثمانينات إلى زيادة في المشاعر المعادية للعرب في إيران. إلا أن نظام الخميني، خصوصا خلال فترة الرئيس محمود أحمدي نجاد، أتى بنموذجه الخاص بمعاداة العرب، وهو نموذج ينظر إلى العرب على أساس أنهم ليسوا «إسلاميين» بدرجة كافية.

ليست هناك تعليقات: