الخلاف على تسمية الخليج العربي





نقلا عن :رامز الهزاع

يعتمد الكثير من الباحثين عن المعلومات عبر الإنترنت حالياً على موقع موسوعة ويكيبيديا التي انطلقت النسخة الإنكليزية منها عام 2001 كمشروع موسوعة إلكترونية عالمية مفتوحة للجميع ومتعددة اللغات بصفحات مترابطة –بالعناوين- عبر اللغات المختلفة، كأن تجد مقالة عن "نهر الفرات" مترابطة بجميع لغات العالم وتختار لتقرأ منها حسب اللغة التي تعرفها. بدأت النسخة العربية منها عام 2003 ويبلغ عدد المقالات فيها حالياً حوالي 27 ألف.
تشهد صفحات النسخة الإنكليزية من هذه الموسوعة صراعاً مريراً هذه الأيام على تسمية الخليج العربي. ففي حين يقوم المشاركون من أصول إيرانية بعنونة الصفحة باسم الخليج الفارسي ويفردون صفحة مستقلة لأصل التسمية والنزاع عليها، فإن الكثير من المستخدمين العرب -المتقنين للإنكليزية- يحاولون تبيان وجهة نظرهم بأن اللغة العربية لا تسمي هذه المنطقة باسم "الفارسي" وإنما "العربي"، لكن هؤلاء المستخدمين العرب يُواجَهون بتعنت كبير من زملائهم الإيرانيين الذين يحذفون على الفور ما يغيره المستخدمون العرب ويبقون على المعلومات التي تشير إلى اسمه "الفارسي" وأهمها، الذي قد يكون مثيراً للسخرية، هو أن الإيرانيين يترجمون الإسم للغة العربية بأنفسهم إلى "الخليج الفارسي" ولا يسمحون للأعضاء العرب بوضع الترجمة الحيّة الحقيقية التي يستخدمها العرب منذ مئات السنين. أحد المحررين الإيرانيين برر ذلك بأن اسم "العربي" هي "وجهة نظر غير ذات وزن" متناسياً بذلك أن حوالي 300 مليون عربي ومئات الأجيال والمؤرخين والجغرافيين وأمهات الكتب والمراجع تعتمد تسميته بـ"العربي". عدا عن أن منظمة الأمم المتحدة تعتمد هذه التسمية في اللغة العربية - أحد اللغات الرسمية الستة المعتمدة في المنظمة.
الكثير من المشاكل حول التسميات الجغرافية تبرز عند اختلاف لغات الشعوب التي تتشارك العيش في هذه المنطقة. وأبرز مثالٍ على ذلك هو القنال الإنكليزي -كما يسمى باللغة الإنكليزية- بينما يدعى بحر المانش بالفرنسية لأنه يشاطئ مقاطعة المانش الفرنسية. لكن هذا الاختلاف في التسمية لم يكن بالحدّة التي يشهدها الصراع على تسمية الخليج العربي. وقد يكون لبرودة دم الإنكليز المعهودة واتساع صدر الفرنسيين عموماً السبب في الاتفاق على عدم الاختلاف!
وعلى الرغم من أن السياسة العامة للتحرير على هذه الموسوعة تتطلب الحياد والموضوعية وإيراد أي معلومة مهما صغرت دون الانحياز أو تبطين السياسة في النص، فإن بعض المستخدمين الذين يهتمون بتحرير هذه الصفحات والمواضيع المتعلقة بها –من قبيل الجزر الإماراتية المحتلة- لا يتورعون عن التصريح بأنهم سيصارعون لأقصى مدى من أجل إبقاء اسم الخليج "فارسي" ويقومون بتعديل أي نص وحذف أي معلومة، بل وحذفوا كل الخرائط التاريخية والنصوص المأخوذة من مؤرخين رومان، تذكر صراحةً أن اسم هذا البحر هو "الخليج العربي".
وفي ثنايا هذه الصفحة المرجعية، يورد مؤلفيها أن تسمية الخليج باسم "العربي" قد بدأت مع أيام المدّ الناصري وقيام الشعور القومي العربي مع ستينات القرن الماضي، متجاهلين أن تسميته بـ"الخليج العربي" ترجع لمئات السنين قبل ذلك، ويرفضون حتى حلاً وسطاً بتسمية الصفحة باسم ثنائي "الخليج العربي/الفارسي" كما فعلت النسخة العربية من ويكيبيديا.
للحقيقة التاريخية، فإن الكثير من الخرائط القديمة والمخطوطات تسمي الخليج باسم "الفارسي"، إلاّ أنّه وبنفس الوقت توجد العديد من الأدلة التاريخية حول تسميته بالعربي، قد يكون من أقدمها –حسب علمي- ما ورد في كتاب المؤرخ الروماني بليني الصغير في القرن الأول للميلاد. قال بليني: «خاراكس (المحمرة) مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي، حيث يبدأ الجزء الأشد بروزاً من العربية السعيدة، وهي مبنية على مرتفع اصطناعي. ونهر دجلة إلى يمينها، ونهر أولاوس إلى يسارها. والرقعة التي تقوم عليها -والتي يبلغ طولها ثلاثة أميال- تقع بين هذين النهرين، وعلى مقربة منها يلتقيان. أنشأها بادىء ذي بدء الاسكندر الكبير، وأمر أن يطلق عليها اسم الإسكندرية. إلا أن فيضان النهرين دمرها. فأعاد بناءها انطيوخوس وأطلق عليها اسمه. وبما إنها هدمت للمرة الثانية، فقد أعاد بناءها "باسينس" (Pasines) ملك العرب المجاورين، و أقام على ضفتي النهرين سدوداً لرد المياه عنها، واسمها باسمه. وكان طول هذه السدود ثلاثة أميال وعرضها أقل من ذلك بقليل. وكانت تبعد أول الأمر ما ينيف على الميل عن الضفة، حتى كأنها كانت تملك ميناء خاصا بها»
بالإضافة لذلك، توجد العديد من الخرائط التي تعود للعصور الوسطى تسميه باسم العربي Sinus Arabicus (باللغة اللاتينية) قد يكون أقدمها بين يدينا ما يعود للعام 1550 التي رسمها الجغرافي أبراهام أورتيليوس كخريطة للإمبراطورية التركية آنذاك. في حين يجمع الباحث الجغرافي أحمد عبيد المنصوري خرائط ومصورات جغرافية تاريخية توثّق تسمية الخليج باسم "العربي"، ويجمع الباحث المنصوري على موقعه الإلكتروني www.arabiangulfmaps.com حوالي 29 خريطة أثرية رُسمت في فترة تترواح بين عامي 1550 و 1740 لاثني عشر جغرافياً أوربياً من العصور الوسطى.
وبعيداً عن اللغة الرسمية، يمكن لأي عربيّ من منطقة الخليج العربي والحجاز أن يسأل جدّه عن ما إذا كان جمال عبد الناصر هو من سوّق هذه التسمية التي يقول الإيرانيون أنها لم تكن موجودة قبل الستينات!

ليست هناك تعليقات: